كل ما تحتاج معرفته عن داء الكلب - المرض القاتل الذي لا يملك علاجا

الدكتور مكي هيثم
الصفحة الرئيسية

 داء الكَلَبِ أو السّعار

داء الكلب


في كلّ 9 دقائق تمر، يموت شخص مصاب بداء الكلب حول العالم، تشير الإحصاءات إلى أنّ عدد الوفيات يتجاوز الـ59000 وفاة كل عام، و مع أن للمرض لقاحا، إلّا أن عدد المصابين و الوفيات على حد سواء لا يزال مرتفعا خاصة في دول إفريقيا، آسيا، و أمريكا الجنوبية. فاللقاح يسمح بالوقاية لكنه لا يسمح بالعلاج.

تمكنت العديد من الدول المتقدمة من التغلب على المرض بفضل الوقاية و عمليات التحسيس الدائمة للمواطنين، فماهو داء الكلب و ماهي طرق الوقاية منه؟

1/ ماهو داء الكلب ؟

داء الكلب، بالفرنسية "La rage"، و بالإنجليزية "Rubies"، هو واحد من أقدم الأمراض على الإطلاق، وهو مرض فيروسي، ناتج عن فيروس "Lyssavirus" الذي ينتمي لعائلة الفيروسات "Rhabdoviridae"، ينتقل الفيروس في أغلب الأحيان عن طريق عضة الحيوان المصاب و الذي غالبا ما يكون الكلب. 

كما يمكن أن ينتقل عن طريق لعق الحيوان لمنطقة مصابة مصابة في جسم الإنسان (جرح مثلا)، أمّا أن يكون الإنسان هو المسبب للمرض (مثل عمليات الزرع أو مرور الفيروس عبر المشيمة إلى الجنين) فهو أمر نادر.

ملاحظة: يمكن للكلب المصاب ان ينقل المرض قبل ظهور الاعراض عليه، لذلك يجب التعامل مع كل عضة على أنّها قد تكون مسببة للمرض حتى و إن كان الكلب يبدو سليما.

2/ ماهي الحيوانات الناقلة لداء الكلب ؟

يعتبر الكلب هو الناقل الأوّل للفيروس (65٪ من الحالات)، يليه الثعلب (24,8٪)، ثم الحصان (0,7٪)، بقية الحيوانات تمثل حوالي 7,4٪ من الحالات.

3/ ماهي أعراض الإصابة بداء الكلب ؟

بعد الدخول إلى جسم المصاب، يهاجم الفيروس بشكل خاص الجهاز العصبي للمريض، حيث يؤدي إلى ظهور التهاب حاد في الدماغ و النخاع الشوكي.

يمكن تقسيم حالة المريض من لحظة دخول الفيروس إلى غاية موت المصاب بداء الكلب إلى مراحل كالآتي:

1/ مرحلة الحضانة: تتميز هذه المرحلة بالغياب التام للأعراض، و يعتمد طولها على عمق الإصابة وعلى عدد العضات التي تعرض لها المريض، كما يعتمد على عدد الفيروسات التي دخلت و على مكان الإصابة و عدد النهايات العصبية فيها.

تكون الإصابة أكثر خطرا كلما كان عدد النهايات العصبية في المنطقة المصابة أكثر: مثل أطراف اليدين و الساقين، الأعضاء الحسّاسة، و كلما كانت الإصابة أقرب للدماغ مثل الرأس أو الرقبة.

تختلف فترة الحضانة من بضعة أيام إلى عدة أشهر، ويمكن أن تستمر لسنوات قبل أن يظهر أول الأعراض: في 85٪ من الحالات تبقى من 30 إلى 90 يوما، و في 10٪ من الحالات تكون أقل من 20 يوم، أمّا الحالات التي تجاوزت فيها الثلاثة أشهر فهي تمثل 5٪.

2/ مرحلة الأعراض الأولية: أوّل الأعراض التي تظهر تكون عادة أعراضا عامة غير مميزة للمرض، مثل: الحمّى، التعب و آلام العضلات.

تظهر بعد ذلك أعراض مميزة لمكان الإصابة (عادة يكون الجرح قد اختفى في هذه الفترة)، مثل: التنمل، الحكّة و الألم. يمكن أن تظهر بعض الإضطرابات النفسية كذلك مثل: الأرق، تعكر المزاج، القلق، أو الإكتئاب.

تستمر هذه المرحلة لحوالي أسبوع قبل ان تظهر الأعراض الفعلية للمرض.

3/ المرحلة الفعلية للأعراض: في هذه المرحلة تشتد الآلام لتنتشر في كامل الجسد، و ترتفع درجة الحرارة بشكل سريع لتبلغ الـ42 درجة مئوية. تكون هذه الأعراض مصحوبة بالقلق الشديد و كثرة الإضطرابات النفسية.

يمكن تقسيم هذه المرحلة إلى نوعين من حيث شكل الأعراض:

ـ الشكل التشنجي: وهو الشكل المعروف للمرض، ويسمى بالشكل المتهيج كذلك، حيث يعاني المريض من تشنجات سريعة، حادة و  جدّ مؤلمة ، تظهر كذلك تقلصات حادة على مستوى الحنجرة، البلعم و الحجاب الحاجز وهو ما يجعل البلع مستحيلا في هذه المرحلة، وقد تؤدي إلى حدوث ذبحة صدرية للمريض.

تساعد المستقبلات الحسية السمعية أو البصرية على ظهور هذه التشنجات المؤلمة، فتتشكل لدى المريض بعض الإضطرابات النفسية المميزة لداء الكلب مثل رهاب الهواء، و رهاب الماء (يمكن لرؤية كوب من الماء أو سماع لصوت تدفق الماء أن يؤدي الى اشتداد الاعراض).

يتميز هذا الشكل أيضا بفترات من الإرتباك و الهلوسات تصيب المريض، يصبح خلالها شديد العدائية حتى على عائلته و أصدقائه.

ـ الشكل الرّخو: يصاب فيه المريض بشلل رخو حادّ، يبدأ عادة على مستوى العضو المصاب أو مكان العضة، ثم ينتقل الشلل شيئا فشيئا إلى بقية الأعضاء، إلى أن يصل في النهاية إلى العضلات المسؤولة عن البلع و التنفس فيؤدي إلى موت المصاب.

يمكن أن تستمر هذه المرحلة الأخيرة من المرض عشرات الأيام (غالبا ما تكون أقل)، قبل أن تنتهي بموت المريض.

4/ هل يمكن علاج داء الكلب؟

لحد الأن لايوجد علاج لداء الكلب، و تكون الإصابة بعد ظهور الاعراض مميتة تقريبا بنسبة 100٪. لذلك تبقى الوقاية هي الحل الوحيد لمواجهة المرض، و لحسن الحظ هناك طرق للوقاية بعد العض كذلك لكنها يجب ان تكون بعد العض مباشرة، اي قبل ظهور أوّل الأعراض.

5/ لقاح باستور المضاد لداء الكلب:

في سنة 1880 قرّر لويس باستور تركيز أبحاثه على داء الكلب، نظرا لأنه يصيب الإنسان و الحيوانات على حد سواء، فيكون بإمكانه اجراء التجارب على هذه الأخيرة.

حاول باستور في البداية عزل الفيروس لكنه فشل في ذلك، لأن التكنولوجيا المتوفرة في ذلك الوقت لم تكن تسمح برؤية الفيروس. وفي الواقع لم يتمكن العلماء من رؤية الفيروس حتى سنة 1962، بفضل المجهر الالكتروني.

وبعد العديد من التجارب التي قام لويس بإجرائها على الكلاب ثم الأرانب، نجح رفقة مساعديه "ايميل رو" و "شارل شمبرلند" في الحصول على نوع غير نشط من الفيروس (يسمح بنقل المناعة). و قد صادقت عليه أكاديمية العلوم في 25 فيفري 1884. 

رغم التجارب الناجحة على الحيوانات، إلّا أن لويس بقي مترددا في تجربته على البشر. و بقي على هذه الحال إلى أن أتته الفرصة في 6 جويلية 1885، حيث تعرض طفل صغير يسمى "جوزيف ميستر" لأربعة عشر عضة في أماكن مختلفة من جسده سبّبها له كلب مسعور قام بمهاجمته، و لأنّ باستور لم يكن طبيبا، كان الدكتور "غرانشر" هو المسؤول عن إعطاء اللقاح للمريض (أعطيت له 13 حقنة خلال 10 أيام).

أثبت اللقاح فعاليته، وأصبح الطفل جوزيف هو أوّل إنسان يحصل على اللقاح في العالم. 

6/ الوقاية من داء الكلب:

قبل العض:

لقاح باستور المضاد لداء الكلب، مع أنّه لا يكون متوفرا لجميع الافراد.

بعد العض:

ـ يجب الذهاب للمستشفى في أقرب وقت ممكن، لأن اللقاح يجب أن يعطى للمصاب في الـ24 ساعة التي تلي العضة. 

ـ يتم تطهير المنطقة المصابة جيّدا (قد تستعمل المضادات الحيوية)، يلي ذلك حقن المريض باللقاح و المصل الضاد لداء الكلب في بعض الحالات.

ـ بعد ذلك يحصل المريض على الرعاية الطبية اللازمة، و المراقبة المستمرة لحالته الصحية و الحرص على أخذه للحقن في الموعد. 

الوقاية العامة من داء الكلب:

ـ تتمثل في قتل الكلاب الضالة، الحرص على تلقيح الكلاب المنزلية و المداومة على أخذها إلى الطبيب البيطري للفحص. كذلك يجب توعية المواطنين و تحسيسهم بالخطر الذي يحمله هذا المرض القاتل و طرق الوقاية منه، للتعامل بجديّة أكبر مع عضّات الكلاب و القطط حتّى و إن كانت طفيفة و لا يبدو فيها الحيوان مريضا.

7/ لمن يعطى اللقاح المضاد لداء الكلب؟

بسبب السعر المرتفع للّقاح لا يتم تقديمه بشكل عام لكافة المواطنين، بل إلى فئات معينة تكون أكثر عرضة للإصابة بداء الكلب:

ـ للأفراد الذين يتعاملون مع الحيوانات بشكل دائم مثل الأطباء البيطريين.

ـ للعمّال في مخابر الكشف عن فيروس داء الكلب، أو المخابر التي تقوم بصناعة اللقاح المضاد لداء الكلب، أو تجري أبحاثا حول الفيروس.

ـ للمسافرين إلى دول تكون فيها نسبة الإصابات مرتفعة.















google-playkhamsatmostaqltradent